وصفات أمريكية جاهزة- رؤىً لحل الأزمة الفلسطينية أم تعزيز لمصالح إسرائيل؟

الأمريكيون، سواء كانوا مسؤولين حكوميين أو باحثين أكاديميين، يعتبرون أنفسهم خبراء لا مثيل لهم، قادرين على اقتراح أفضل الخطط والمناهج لمعالجة الأزمات الدولية. انطلاقًا من هذه النظرة، يفرضون على الأطراف المعنية ما يجب عليهم فعله وما لا يمكنهم فعله، ويقررون بالنيابة عن الشعوب ما هو الأفضل لمستقبلهم، وذلك وفقًا لرؤيتهم الخاصة.
علاوة على ذلك، يصنفون الجهات الفاعلة والأفكار إلى "صالحة" و"شريرة" يجب القضاء عليها، ويفرضون مفاهيمهم المتعلقة بالاستقرار والازدهار والإرهاب والعنف والقانون على الجميع. من يرفض هذه الوصفة الأمريكية الجاهزة، سيواجه عواقب وخيمة، حيث يسمحون لأنفسهم بتدمير البلدان وإراقة دماء الأبرياء لفرض معتقداتهم، كما رأينا في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وليبيا.
وفي الأزمة الفلسطينية الحالية، يحاول الأمريكيون تطبيق نفس العقلية والأسلوب، حيث يقدمون مقترحات ورؤى سياسية للخروج من الأزمة وما يسمى "اليوم التالي للحرب". منذ بداية الصراع، روّجوا لفكرة تشكيل قوات دولية للسيطرة على غزة وإدارتها خلال فترة انتقالية، ثم اقترحوا تشكيل قوة عربية لنفس الغرض. وعندما فشلوا في الحصول على الدعم لهذه الأفكار، قدموا رؤية أخرى تعتمد على تجديد السلطة الفلسطينية لتكون مؤهلة لإدارة غزة وفقًا للرؤية الأمريكية والإسرائيلية. كما بدأوا بالتعاون مع بعض الدول والقوى لإنشاء ميناء بحري في شمال القطاع.
لكن الأمريكيين لا يفكرون فيما يمكن أن يقبله الفلسطينيون أو ما يخدم مصالحهم الوطنية، ولم يناقشوا هذه الأفكار مع أي طرف معني قبل طرحها، وغالبًا ما يتم الإعلان عنها من خلال المتحدثين باسم وزارة الخارجية أو البيت الأبيض أو وسائل الإعلام ومراكز الدراسات.
مما لا شك فيه أن العجز العربي والإسلامي والدولي عن تقديم أي صيغة سياسية تضع حدًا للحرب وتفتح أفقًا سياسيًا للفلسطينيين قد ساهم في تفرد الولايات المتحدة في طرح الحلول والرؤى، مما ترك الباب مفتوحًا للأفكار الأمريكية التي لا تأخذ في الاعتبار سوى مصلحة إسرائيل وطموحاتها السياسية وضمان مستقبلها.
مع رؤية دينيس روس
تجسدت هذه العقلية الأمريكية في مقال للخبير السياسي الأمريكي دينيس روس بعنوان "إسرائيل بحاجة إلى إستراتيجية جديدة"، حيث يقدم رؤيته للتعامل مع الحرب في غزة، ويحدد أهداف كل طرف وما يجب عليه فعله بناءً على خبرته الطويلة في الملف الفلسطيني.
يرى دينيس روس أن السعودية والإمارات وقطر يمكنهم المساهمة فقط في المجالات التي يعتقد أن لديهم خبرة فيها، ويقترح إنشاءmechanism لمعالجة الوضع الإنساني بقيادة الولايات المتحدة وبالشراكة مع السعودية ودول الخليج، وتقديم مساعدات فورية للسكن المؤقت والمتنقل. ويضيف أن السعوديين يمكنهم الاستفادة من خبرتهم في التعامل مع الحجاج لتوفير المأوى، وأن الإماراتيين والقطريين يمكنهم تمويل الكرفانات والمقطورات والمنازل الجاهزة.
كما يحاول إيجاد مخرج لدول الخليج لتجاوز مواقفهم السياسية المعلنة حول الحرب والإعمار، ويرى أن مساهمتهم في المساعدات الإنسانية وتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى يمكن تبريرها على أنها ضرورية لتخفيف معاناة الفلسطينيين. وهذا يدل على أن الأمريكيين لا يأخذون مواقف الدول العربية، وخاصة السياسية منها، على محمل الجد، ويعتقدون أن الدول العربية يمكن أن تتصرف خلافًا لمواقفها المعلنة، وأن المشكلة تكمن فقط في كيفية تبرير ذلك أمام الرأي العام.
وينصح دينيس روس إسرائيل بالاستفادة من التجربة الأمريكية في التعامل مع داعش في سوريا والعراق لمواجهة حركة حماس، معتبرًا أن الولايات المتحدة هي من نجحت في القضاء على داعش، ناسياً أن أبناء المنطقة هم من حاربوا داعش، وأنها كانت حالة غريبة عن المنطقة وثقافتها، ونشأت برعاية أمريكية، وأن غالبية كوادرها تم تجميعهم من دول العالم برعاية استخبارات بلاده.
بينما حماس حركة مقاومة وطنية فلسطينية، تتكون من أبناء الشعب الفلسطيني، ولا يوجد بينهم غرباء. لكن الفوقية والعجرفة تجعل الأمريكيين يرسمون صورة للآخر كما يحلو لهم، وليس كما هي في الواقع.
استنساخ التجارب الفاشلة
ويستوحي دينيس روس من التجربة الأمريكية الفاشلة في أفغانستان، ويقدم تصوراً لليوم التالي للحرب في غزة، حيث يقترح تكرار نفس التجربة من خلال إنشاء بديل لحماس قادر على تولي الإدارة اليومية وتطبيق القانون والنظام، ويؤكد على أن الهدف يجب أن يكون نزع السلاح من غزة ومنع استخدامها كمنصة لشن هجمات ضد إسرائيل.
ويقدم رؤية محددة للإدارة المستقبلية لغزة، تقضي بتعاون دول الخليج ومصر والاتحاد الأوروبي والأردن والولايات المتحدة مع النظام الإداري الذي أنشأته السلطة الفلسطينية عام 1994، وإشراك رجال الأعمال الفلسطينيين في إدارة القطاع، وتعاون المنظمات الإنسانية معهم لتوزيع المساعدات وتحفيز النشاط التجاري.
ويوضح روس أن خطته لا تتضمن أهدافًا سياسية للفلسطينيين، ويعزو ذلك إلى الفلسطينيين أنفسهم وليس للتعنت الإسرائيلي. ويشير إلى أن الإسرائيليين يحتاجون إلى الشعور بالطمأنينة لقبول فكرة قيام دولة فلسطينية، ويقترح خطوات عملية لبناء غزة جديدة منزوعة السلاح، على أن تلعب الدول العربية دورًا نشطًا في دعم بديل لحكم حماس، وأن تكون مستعدة لإدانة ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر.
ملحوظات على التوجهات الأميركية
وبالنظر إلى التجارب الأمريكية في المنطقة، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق الاستقرار والأمن أو مساعدة الشعوب في تحقيق حقوقها في الدول التي احتلتها أو تدخلت في شؤونها.
- غالبًا ما تنشر الولايات المتحدة الفوضى والخراب، لكنها لا تساهم في البناء والاستقرار.
- لا تهتم الولايات المتحدة بإرادة الشعوب وتفرض ما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل.
- ليس للولايات المتحدة أصدقاء دائمون، وهي تبدل أدواتها وشركائها وفقًا لمصالحها.
- تتبنى الولايات المتحدة الرؤية والأهداف الإسرائيلية.
- ترفض الولايات المتحدة فرض أي حلول على إسرائيل.
- لا يوجد اهتمام أمريكي حقيقي بحقوق الشعوب في المنطقة، وخاصة الشعب الفلسطيني.
- لا تهتم الولايات المتحدة بالقيم الإنسانية عندما يتعلق الأمر بشعوب المنطقة.
وبما أن الولايات المتحدة تحتكر الملف الفلسطيني، فإن التعامل العربي والفلسطيني يجب أن يراعي ما سبق، والتصرف بمسؤولية عالية لتفويت الفرصة عليها لصياغة المشهد كما فعلت في دول أخرى.
إن التجارب الأمريكية في عدد من الدول أثبتت أنها لا تنتج سوى الفوضى والخراب وعدم الاستقرار والانقسامات.
إن الاعتماد على الحلول والمقاربات الأمريكية في الموضوع الفلسطيني لن يؤدي إلا إلى الفوضى والخراب والضياع، واستمرار الاحتلال والانقسام.
ورغم أن الفلسطينيين خبروا الدور الأمريكي خلال حقبة أوسلو، فإن المؤشرات تشير إلى أن القيادة السياسية الفلسطينية الرسمية في طريقها لتكرار التجربة والانخراط في لعبة أمريكية جديدة، وهو ما يجب التحذير منه.
إن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني تتطلب الوقوف أمام الذات والتصرف بمسؤولية وتفويت الفرصة على الولايات المتحدة وإسرائيل.
